"عقبال عنّا"... يا قادر يا كريم

سجّل اليوم الأول من العام 2024 حدثين يستحقان التوقّف عندهما. الأول يتعلّق بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية إبطال بند رئيس في قانون حكومة نتنياهو للإصلاح القضائي المثير للجدل وللإحتجاجات الشعبية، والذي يشكّل تحدّياً لسلطات كبار القضاة في البلاد، والثاني هو خبر وفاة المناضل السوري رياض الترك.

ويحمل هذان الحدثان دلالات موجعة لدى من عايش أزمنة القهر واكتوى بالخيبات وعجز عن الانتشاء بانتصارات إلهية، وهو يتتبّع مسلسلات انهيار المواطن والإنسان في دولته المنكوبة، وينتابه فيض من السخرية المُرّة وهو يتابع كيف تخرس جماعة الممانعة، وتنسى كل مفهوم للعدالة مع خبر وفاة الترك الذي قضى 17 عاماً في سجون الأسد الأب في سوريا، و3 سنوات في سجون الأسد الإبن، ومن دون محاكمات وقضاء نزيه يرفع الظلم الذي تعرّض له هو وملايين السوريين على امتداد الزمن الأسدي، ويحاسب من اضطهدهم وصادر لهم حاضرهم ومستقبلهم وأدنى مقومات حريتهم.

ومن ثم يتابع كيف هشَّت جماعة الممانعة وبشَّت لقرار المحكمة إبطال قانون نتنياهو، الذي لو سرى مفعوله، كان ليخدم رئيس حكومة يلاحقه القضاء بتهم فساد، ويجنّبه صدور إدانات قضائية بحقّه، فيصبح مثله مثل كثير من المحظيين بحمايات قضائية وسياسية وأمنية عندنا.

فنحن اختتمنا العام الماضي بقرار الأمم المتحدة إغلاق المحكمة الخاصة بلبنان، والتي كانت مكلفة بالتحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وذلك من دون أن تتوصّل إلى تنفيذ العدالة والاقتصاص من المجرمين الذين أدانتهم المحكمة، لأنّ السلطات اللبنانية عجزت أو تلكّأت أو تآمرت ما حال دون توقيف أيّ منهم.

وهذه السلطات ذاتها، وقبل أيام، لم تحرِّك ساكناً لإلقاء القبض على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، «الفار من وجه العدالة»، والذي شارك في مأتم شقيقه، وفي وضح النهار وعلى مرأى من الجميع وعلى صفحات الصحف، بعدما كانت قد برّرت عدم سوقه للقضاء بحجة تعذّر إبلاغه بمذكّرات التوقيف لأنّه مجهول الإقامة ومتوارٍ عن الأنظار، خصوصاً أنّ في حقّه مذكّرتي توقيف دوليتين.

ولا يختلف الواقع القضائي الشفّاف عندما يتعلّق الأمر بودائع المواطنين، وبالمسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت، والأدلّة التي تظهر تورطهم واضحة ولا لبس فيها.

لكن الجماعة التي يطيب لها أن تشيد بالعدالة الإلهية ضدّ الظلم والإجرام الذي ارتكبه رئيس وزراء الكيان الصهيوني، والتي تحرِّم الاحتفالات برأس السنة مع استمرار العدو الإسرائيلي بجرائمه لإبادة هذا الشعب المظلوم، لا ترضى مطلقاً بأيّ تطبيق للقانون حيث تمتدّ أذرع المحور.

قانونها فقط يجب أن يسري، وغير ذلك كفر يستوجب إجراءات قمعية جذرية يدلّ عليها ما نعاينه ونعايشه في دول العزة والكرامة. وكأنه لا يكفينا وعينا بأنّ الجراح ستبقى مفتوحة وتنزف بسبب الدعم الأميركي والأوروبي للكيان الإسرائيلي المغتصب أرض فلسطين وحقوق شعبها، حتى تتمّ مصادرة سيادة دولنا بحجّة مقاومة هذا الكيان، لتأتي النتائج مراراً وتكراراً صفقات وتثبيت نفوذ على حسابنا وحساب القضية.

لذا يصعب التفاؤل بالعام الجديد ما دمنا نفتقد إلى الرحمة والعدالة، وما دامت المحكمة الدولية لمحاسبة نتنياهو بجرائم حرب مباركة، لتصبح ملعونة وفي مقام «الصرماية» عندما تتعلق بجرائم الاغتيال عندنا أو باستخدام البراميل المتفجّرة والأسلحة الكيماوية والمعتقلات الوحشية.

فمثل هذه المفارقات الفاقعة والوقحة، تفرض المقارنة، فنتمنّى أن نحظى في بلداننا بقضاء ومحكمة عليا لا تتوانى عن إصدار حكمها حتى في ظروف لا تختلف عمّا يعتبره حزب «الليكود» فترة سماح لأنه يخوض حرباً مصيرية... ونهمس «عقبال عنا»... يا قادر يا كريم.

*المصدر: نداء الوطن